يبسط هذا الكتاب نظريّةً وجيهة في ما يتعلق بقدرة الموسيقى على تعميق فهمنا للتجربة التشكيليّة سواء في الإنتاج أم التلقي؛ إذ يتخذ من الرسم عامة واللوحة التجريدية أنموذجين لتبيان خوافي علاقة الموسيقى بالتشكيل، وعكس التقاطعات الكبرى التي تتخلل أنظمة إبداعهما. من هذا المنطلق، يقترح هذا العمل جملة من التصورات النقدية والجمالية الجديدة التي تستشرف إمكان بناء منظومة تشكيلية  -موسيقيّة، تستوعب اللوحة التشكيلية إنشاءً وتأويلا.

ولعل في هذا الدلو، ما يدعو إلى تجسير العلاقات المعرفية والفنية من خلال التأصيل العملي لهذه التصورات، عبر فتح أبواب التشارك الحقيقي والفاعل بين أكاديميات الفنون الجميلة والأكاديميات الموسيقية، مما سيشرع لبروز سياق فني يُشَدّ فيه التشكيليون إلى الموسيقى، مثلما يُشدّ فيه الموسيقيون إلى التشكيل، إثراءً للحقلين معا، وإمتاعا للمتلقين من جهة أخرى.

وتأسيسا على هذه التجاذبات، يقدم الكتاب للقارئ مفاهيم ومفردات جديدة تُغني التراكم المعرفي، وتضيء الوشائج الدقيقة التي تجمع الرّسم بالموسيقى، على غرار ما هو ماثل في مفهوم "اللّوحة الموسيقيّة" بوصفها طموحا إبداعيا في بلوغ لوحات تشكيليّة تُعزف، وتأليف موسيقى تمتح إيقاعاتها من رموز التشكيل... وهو ما قد يمكّننا - باستثمار ما وصلت إليه التّجارب الرّائدة في الفنّ الحديث - من خلق معجم فنّي مشترك بين الرّسم والموسيقى، فضلا عن فهم وتأويل أعمق التجليات الثقافية للإنسانية.